إنه مما لا شك فيه ان من يريد فهم الواقع المعاصر
لا بد من ان يعود للتاريخ فبدون قراءه تحليليه للماضي فلن تكون هناك صوره كامله
للواقع. تحليل المجريات فقط بقراءه لحظيه للاحداث هو تحليل قاصر وغير علمي البته
وهو ما يعول عليه الكثيرون ممن يدعون الوطنيه والانتماء لاوطانهم. نحن هنا لسنا
بصدد تخوين احد او البت في وطنيه اخرين لكن بات من الواجب ان يتم تقديم قراءه
حقيقيه للاحداث بعيد عن الانتماءات والشعارات القوميه.
من محتمات وجود وديمومة اي دوله وجود منهجيه
خاصه بها قد تتوافق احيانا وقد تتعارض احيانا اخرى مع الدول الاخرى سواء القريبه
منها جغرافيا او غيرها. لكن ليس من الاخلاقيات السياسيه ان تكون تلك المنهجيه مما
يضر بالامم الاخرى في سبيل تحقيق الخطط والبرامج الخاصه. فعلى مر التاريخ حققت
الكثير من الدول مبدأ (الربح للجميع) او ما يسمى (win_win) وهكذا فقط تتحقق
السعاده والكرامه للبشريه جمعاء.
واحدة من الامور التي تعكس التخبط السياسي
عندما تتسبب بشكل مباشر او غير مباشر في وقوع ازمة ما ثم تقوم بمعاداتها على العلن
لعدة عقود من الزمن وكأنك بريء منهت براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
ان الثورة الايرانيه قامت لاسباب عدة ولم تكن
نتاج لحظي بل تراكمات سنوات عديده ولكن القشه التي قصمت ظهر بعير الشاه هي من عجل
بل ساعد في تسريع قيامها الا وهو اجتماع دول اوبك في الدوحه في نهاية عام 1976.
ان المتتبع لاسعار النفط في السبعينات والهيمنه
الايرانيه على اسعاره وتحكمها بشكل كبير في ارتفاع الاسعار يرى ان الدول الغربيه
لم تكن راضيه ابدا عن تلك الاسعار او الهيمنه الشرقيه على كميات الانتاج والاسعار
كذلك وخصوصا بعد اتفاق نادر بين العرب على وقف تصديره لبعض الدول الداعمه لاسرائيل
في حربها ضد العرب. وخوف تلك الدول له ما يبرره بسبب الضغوطات الداخليه التي
تواجهها حكومات تلك الدوله. لكن الغير مبرر في حينها هو تخوف دوله خليجيه من
ارتفاع اسعار النفط وهي ثاني اكبر مصدر للنفط في دول اوبك وخصوصا ان دول الخليج
كانت في بدايه نهضتها الاقتصاديه والعمرانيه وبحاجه الى كل دولار اضافي ياتي من
تلك المبيعات.
كانت لدى شاه ايران مخططات اقتصاديه ضخمه لبلاده
وضعها على شكل خطط خمسيه بموازنات هائله معتمدا على كونه المصدر الاول في اوبك
والمتحكم في اسعارها. تلم المخططات اثارت حفيظه جارتها الاكبر المملكه العربيه
السعوديه فقامت بعقد تحالفات سريه ـ تم الكشف عنها في بعض محاضر الاجتماعات التي
تم رفع الحجب عناها ـ مع الولايات المتحده الامريكيه بان تقوم المملكه العربيه
السعوديه برفض رفع اسعار النفط والذي كان ينوي الشاه القيام به في اجتماع الدوحه
في ديسمبر من عام 1976. كانت خطة الشاه ان يقوم بخفض الانتاج وبالتالي زيادة اسعار
النفط بحاولي ٢٥٪. بالرغم من الصداقه
القويه بين الشاه والاداره الامريكيه لكنها لم تستطع ان تنقع الشاه بالعدول عن
مخطط رفع الاسعار عندها لجأت الى الحكومه السعوديه والتي قدمت بدورها كل الولاء
والطاعه لتنفيذ المخطط الامريكي وعرقلة مشاريع الشاه الداخليه.
في اجتماع الدوحه ديسمبر 1976 قام وزير البترول
السعودي وبشكل مفاجئ بان بلاده ستغرق السوق العالمي بكميات نفط اكثر مما يحتاجه
وان ستزيد من انتاجها مما يجعلها تتصدر دول اوبك في كمية الانتاج وتكون هي المسيطر
الاول على اوبك.
تم تنفيذ المخطط مما اغرق الشاه في ديون وتعطيل
للمشاريع الداخليه بشكل كبير خلال السنوات اللاحقه وزياده كبيره في نسبة البطاله
مما سرع بشكل كبير في قيام الثوره ضده والتي تسببت السعوديه فيها بشكل مباشر
وكبير. ومما لا شك فيه انه لم يكن من صالح الاقتصاد السعودي في حينها بان تقوم
بمثل هذه الخطوه لكن من اجل تحقيق هدف ما خارجي مع التضحيه بالاقتصاد الداخلي.
دونما الدرايه بان الهدف الخارجي تحول الى نقمة اخرى على الدوله السعوديه.
وها هو التاريخ يعيد نفسه في مارس 2016 ولسوء
الطالع ان الاجتماع يتم ايظا في الدوحه. فمع اصرار القياده السعوديه على تخفيص
اسعار النفط العالمي مع تكبدها خسائر لا تحصى في حروب اقحمت نفسها وبعض جيرانها
بها الا انها لديها اهداف غير معلنه من وراء هذا التخفيض. والتاريخ يعيد نفسه في
ان صراع سعر النفط والكميات المطروحه في السوق بينها وبين الدوله الايرانيه، ليس
هذا فقط وبل وان من سيتكبد الخسائر هي دول عربيه وخليجيه باتت ترزح تحت تعنت
وتصرفات غير مسؤوله من بعضالقيادات الخليجيه ولا ننسى ان من بين اكبر الخاسرين هو
الاقتصاد المحلي السعودي.
وكما حدث في عام 1976 اعاده التاريخ في مارس
2016 فهدد وزير النفط السعودي باغراق السوق العالمي لتخفيض سعر البترول.